إسرائيلي وفلسطيني (original) (raw)

إسرائيلي وفلسطيني

بقلـم دانييل بارينبويم

"تواجه إسرائيل مرة واحدة ثلاث مشاكل" كما يشير دانييل بارينبويم. "طبيعة الدولة اليهودية الديمقراطية الحديثة ومشكلة الهوية الفلسطينية داخل إسرائيل ومشكلة إنشاء دولة فلسطينية خارج إسرائيل." ويرى بارينبويم أن التكامل الفلسطيني "هو حالة لا يمكن الاستغناء عنها، على أسس أخلاقية واجتماعية وسياسية، من أجل بقاء إسرائيل".

(مصدر المقال: إنترناشيونال هيرالد تريبيون International Herald Tribune، 29 كانون الثاني/ديسمبر 2008)

برلين – قلت في مناسبات عدة إن أقدار الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي مرتبطة بشكل لا خلاص منه، وإنه لا يوجد حل عسكري للنزاع. قبولي مؤخراً للجنسية الفلسطينية أعطاني الفرصة لأثبت ذلك بشكل ملموس أكثر.

عندما انتقلت أسرتي إلى إسرائيل من الأرجنتين في خمسينات القرن الماضي كانت واحدة من نوايا والدي تجنيبي تجربة النشوء كجزء من أقلية – أقلية يهودية. أرادوا لي أن أنشأ كجزء من أكثرية – أكثرية يهودية.

المآساة في هذا الأمر هي أن أبناء جيلي، رغم أنهم تثقفوا في مجتمع أغنت نواحيه الإيجابية وقيمه الإنسانية تفكيري إلى درجة بعيدة، وتجاهلت وجود أقلية في إسرائيل – أقلية غير يهودية، كانت هي الغالبية في كامل فلسطين إلى حين إنشاء دولة إسرائيل عام 1948. بقي جزء من السكان غير اليهود في إسرائيل، وترك جزء آخر خوفاً أو بسبب نزوحهم القسري.

في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني كان هناك وما زال عدم قدرة على الاعتراف بالاعتماد المتبادل على صوتيهما. جاء إنشاء دولة إسرائيل نتيجة لفكرة يهودية أوروبية يجب، إذا أرادت أن تمد فكرتها المهيمنة إلى المستقبل، أن تقبل الهوية الفلسطينية كفكرة مهيمنة صالحة بشكل مماثل.

من المستحيل تجاهل التطور الديمغرافي. يشكل الفلسطينيون داخل إسرائيل أقلية تنمو بسرعة، ويحتاج صوتهم لأن يُسمع الآن أكثر من أي وقت مضى. فهم يشكلون اليوم حواي 22% من سكان إسرائيل، وهذه نسبة أكبر من أي نسبة شكلتها أقلية يهودية في أية دولة في أية فترة من التاريخ. العدد الكامل للفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل وفي المناطق المحتلة (أي إسرائيل الكبرى بالنسبة لإسرائيل أو فلسطين الكبرى بالنسبة للفلسطينيين) أصبح أكبر من عدد السكان اليهود.

حالياً تواجه إسرائيل ثلاث مشكلات مرة واحدة: طبيعة الدولة اليهودية الديمقراطية الحديثة – أي هويتها بالتحديد، ومشكلة الهوية الفلسطينية داخل إسرائيل ومشكلة إيجاد دولة فلسطينية خارج إسرائيل. بالنسبة للأردن ومصر كان من الممكن تحقيق ما يمكن وصفه على أفضل صورة بأنه سلام متجمد كالجليد دون التساؤل عن وجود إسرائيل كدولة يهودية.

إلا أن حل مشكلة اليهود داخل إسرائيل يشكل تحدياً أكبر بكثير نظرياً وعملياً، فهو يعني بالنسبة لإسرائيل، ضمن أمور أخرى، تقبل حقيقة أن الأرض لم تكن عاقرة أو فارغة، "أرضاً لا شعب فيها"، وهي فكرة جرى ترويجها عشية إيجاد دولة إسرائيل. وهي تعني بالنسبة للفلسطينيين قبول حقيقة أن إسرائيل هي دولة يهودية سوف تبقى.

إلا أنه يتوجب على الإسرائيليين أن يقبلوا اشتمال الأقلية الفلسطينية حتى لو عنى ذلك تغيير نواحٍ معينة من طبيعة إسرائيل. عليهم كذلك أن يقبلوا تبرير وضرورة إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. ليس الوضع فقط أنه لا يوجد بديل، أو عصا سحرية تجعل الفلسطينيين يختفون، وإنما أن اشتمالهم هو حالة لا يمكن الاستغناء عنها على أسس أخلاقية واجتماعية وسياسية، لأجل بقاء إسرائيل.

كلما طال أمد الاحتلال، ومعه تجاهل عدم رضا الفلسطينيين، كما ازدادت صعوبة إيجاد حتى أرضية مشتركة أولية. لقد رأينا مرات عديدة في التاريخ الحديث للشرق الأوسط أن فرص التسوية الضائعة كانت لها نتائج سلبية جداً على الجانبين.

بالنسبة لي، عندما عرضت عليّ الجنسية الفلسطينية قبلتها بروح الاعتراف بالقدر الفلسطيني الذي أشارك أنا فيه.

يتوجب على المواطن الصادق في إسرائيل أن يمد يده إلى الشعب الفلسطيني بانفتاح، وأن يحاول على أقل تقدير أن يفهم ما عناه إنشاء دولة إسرائيل لهم.

يعتبر الخامس عشر من أيار/مايو يوم الاستقلال بالنسبة لليهود، ولكن اليوم نفسه هو يوم النكبة والكارثة بالنسبة للفلسطينيين. يتوجب على المواطن الصادق في إسرائيل أن يسأل نفسه ما الذي فعله اليهود، المعروفون لكونهم شعباً ذكياً في المعرفة والثقافة، للتشارك في تراثهم الثقافي مع الفلسطينيين.

يتوجب على المواطن الإسرائيلي الصادق كذلك أن يسأل نفسه لماذا حُكِم على الفلسطينيين أن يعيشوا في الأحياء الفقيرة وأن يقبلوا معايير متدينة في التعليم والرعاية الصحية بدلاً من أن توفرها لهم قوات الاحتلال ومعها أوضاع معيشة محترمة كريمة، وهو حق مشترك لكافة بني البشر؟ يعتبر المحتل في أية منطقة محتلة مسؤولاً عن نوعية حياة الشعب الواقع تحت الاحتلال، وفي حالة الفلسطينيين، فشلت الحكومات الإسرائيلية المختلفة عبر أربعين سنة فشلاً بائساً. يجب على الفلسطينيين بشكل طبيعي أن يستمروا في مقاومة الاحتلال وكافة المحاولات لحرمانهم من احتياجاتهم الفردية الأساسية وحقهم في إنشاء دولة. ولكن، ولصالحهم، يجب على هذه المقاومة ألا تعبر عن نفسها من خلال العنف.

لا ينتج عن عبور الحدود من المقاومة العنيدة (بما فيها المظاهرات والاحتجاجات السلمية) إلى العنف إلا المزيد من الضحايا الأبرياء، وهذا لا يخدم المصالح بعيدة المدى للشعب الفلسطيني. في الوقت نفسه يملك مواطنو إسرائيل سبباً مماثلاً للاهتمام بحقوق واحتياجات الشعب الفلسطيني (داخل إسرائيل وخارجها) كما يفعلون بالنسبة لحقوقهم. في نهاية المطاف، وبما أننا نتشارك جميعاً بأرض واحدة وقدر واحد، يجب أن تكون لنا جميعاً جنسية ثنائية.


*دانييل بارنيبويم، عازف البيانو والمايسترو، هو مدير الموسيقى في Staatskapelle برلين والمايسترو الرئيس الضيف في أوبرا لا سكالا في ميلانو. وهو مؤسس مشارك مع أدوارد سعيد لأوركسترا ديفان الشرق/غرب التي تجمع معاً موسيقيين عربا وإسرائيليين. تقوم خدمة Common Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال الذي يمكن الحصول عليه من الموقعwww.commongroundnews.org.

مصدر المقال: إنترناشيونال هيرالد تريبيون International Herald Tribune، 29 كانون الثاني/يناير 2008www.iht.com

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.