من مدريد إلى أنابوليس – ليست مؤتمرات السلام كافية (original) (raw)
من مدريد إلى أنابوليس – ليست مؤتمرات السلام كافية
داود كتّاب
لا يمكن الاعتماد على المؤتمرات وحدها لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، يستنتج داود كتّاب، الذي يبرز النواحي المتوازية بين قمتي مدريد وأنابوليس للسلام.
(مصدر المقال: الجوردان تايمز Jordan Times، 7 كانون الأول/ديسمبر 2007)
برنستون – بينما كان الزعماء الإسرائيليون والفلسطينيون يجتمعون في قاعدة أنابوليس البحرية الأسبوع الماضي في محاولة أخرى لصنع السلام، استذكرْت المهمات الصحفية العديدة التي قادتني لتغطية مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. أذكر عن كثب كيف حافظ وزير الخارجية يومها جيمس بيكر على حجب مكان الاجتماع عن الجميع في اللقاء الدولي. لدى إعلانه عن موقع الاجتماع، شعر الكثيرون منا نحن الفلسطينيون بشعور من البهجة والاحتفال حول الحوارات التي تلوح في الأفق، رغم أن الطبيعة الحقيقية للوفد الفلسطيني كانت ما تزال مجهولة حتى اللحظة الأخيرة. رغم وجود بعض الاختلافات مع أنابوليس، ما زالت القضايا هي نفسها، وقد رأينا أن المؤتمرات وحدها لا تأتي بالسلام.
"انعقد كلا المؤتمرين أمام خلفية حرب خليج عنفية مدمرة، وكما فَعَلَت قبل أكثر من عقد من الزمان تعلم الولايات المتحدة أنه يتوجب عليها أن تقدم شيئاً ما لحلفائها العرب".
تماماً مثل مدريد، كان المنظم الرئيس لأنابوليس وزيرة الخارجية الأميركية. وتماماً كما توجب على وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس استخدام جميع مهاراتها الدبلوماسية لإطلاق الاجتماعات، كان موقف بيكر أكثر صعوبة مع رئيس الوزراء الصقوري إسحق شامير من الليكود، واليميني الناطق باسمه بنيامين نثنياهو، ومع القيادة الفلسطينية التي اعتبرها الإسرائيليون "إرهابية".
وفي الوقت الذي جرى تقديم محمود عباس في أنابوليس كرئيس منظمة التحرير الفلسطينية لم يُسمح للمنظمة حتى بحضور مؤتمر مدريد. إلا أنها اختارت أعضاء الوفد الفلسطيني، الذي ترأسه أحد مؤسسي المنظمة الذي يتمتع بالاحترام والتقدير، وهو الدكتور حيدر عبد الشافي الغزّي (الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى عن عمر 88 عاماً في أيلول/سبتمبر الماضي). ورغم أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت الغائب الأكثر وضوحاً في مدريد، كان قادة حماس، الذين فازوا بالانتخابات البرلمانية في فلسطين، والإيرانيون هم الغائبين الذين جرى عنهم الحديث الأكبر في أنابوليس.
تبدو احتمالات السلام اليوم أفضل مما بدت عليه عام 1991، على الورق على الأقل. ليست منظمة التحرير الفلسطينية حاضرة فحسب وإنما أصبحت فكرة حل الدولتين أكثر قبولاً لدى الجميع. قالت رايس إن الدولة الفلسطينية تخدم الصالح الوطني للولايات المتحدة. كما نُقِل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قوله إنه في غياب دولة فلسطينية فإن مستقبل إسرائيل معرض للخطر.
إلا أن الكثيرين من الفلسطينيين أكثر تشاؤماً اليوم، بسبب عدد كبير من حالات الفشل الماضية. كان الشعور السائد هو أن حضور مؤتمر مدريد أساسي، ولكن أهمية مؤتمرات القمة تضاءلت مع فشل هذه الاجتماعات في تحقيق أية نتائج.
في غياب اتفاق راسخ وخطة فاعلة (لها أنياب!) ازدادت معدلات الانشقاق بين الفلسطينيين، الذين يريدون الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي والقدرة على حكم دولة ذات سيادة مترابطة الأطراف. ويريد البعض، وهم يرون هذا العدد الكبير من المستوطنات اليهودية في أرجاء الضفة الغربية، أن يلغي حل الدولتين ويركز على دولة واحدة ثنائية الوطنية.
بعد أربعين سنة من الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، لم يجد الفلسطينيون بعد معادلة مناسبة للتحرير. لقد حاولوا ممارسة العنف عبر الحدود (في أواخر الستينات) والدبلوماسية العربية والدولية (في السبعينات والثمانينات) والانتفاضة الأولى (1987) والمحادثات السرية في أوسلو (1993) والهجمات الانتحارية (عبر التسعينات، والتي انتهت بالانتفاضة الثانية) وإطلاق الصواريخ عبر الحدود (2006 وهذه السنة) والمبادرات العربية الإقليمية (2000 وهذه السنة) والمبادرات الدولية والمبعوثين من أجل السلام (منذ 1967) ولكن شيئاً لم ينجح.
يمكن لمخطوطات المؤتمرات ومبادرات السلام والخطب الرنّانة واتفاقيات الأمم المتحدة الموجهة لحل النزاع أن تملأ غرفاً بأكملها. واقع الأمر هو أن المناطق الفلسطينية ما زالت تحت الاحتلال الأجنبي العسكري، في تحدٍ صارخ لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي ينص على عدم شرعية احتلال الأراضي بالقوة.
يملك هؤلاء الذين يشككون بحوافز الولايات المتحدة أسباباً جيدة للقلق. حتى يتسنى التغلب على عدم الثقة المرتكزة على حالات الفشل السابقة سوف يحتاج بوش لإنفاق الكثير من رأس المال السياسي. في الأيام الأولى لإدارة الرئيس بوش كانت فكرة استخدام الختم الرئاسي المميز تعتبر أمراً بغيضاً بسب محاولات الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون الفاشلة تنظيم اتفاقية سلام. إلا أن تأثيراً رفيع المستوى كهذا يعتبر أمراً حاسماً اليوم.
لم يعد باستطاعة الفلسطينيين تحمُّل توجه الخطوة بخطوة، مثل العملية التي بدأت في مدريد. في الماضي، كانت الخطط التي تستخدم تحسينات إضافية بالتدريج أهدافاً للمتطرفين الساعين للحصول على تواريخ ومواقع تستخدم لإفشال عملية السلام. خذ مثلاً ما فعله مواطن إسرائيلي متطرف لإسحق رابين عام 1995. المتطرفون الفلسطينيون نفذوا تفجيرات انتحارية وغيرها من الأعمال الرهيبة عشية الانتخابات الإسرائيلية وعمليات إعادة الانتشار الهامة، الأمر الذي ضمن على ما يبدو تخلي إسرائيل عن مخططات الانسحاب.
ما نحتاجه، كما تقترح مبادرة السلام العربية وعدد من مبادرات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، هو وضع نهائي متفق عليه، مثل حدود عام 1967، وعملية لتطبيق شروط يتفق عليها من قبل جميع الأطراف. وإلا فإن هذه القمة وغيرها سوف تستمر في الفشل.