"مايك هندمارش".. لماذا يضع بن زايد جيشه تحت قيادة أسترالي؟ (original) (raw)

من بين الأمور الشائعة في عالم الاستخبارات، خاصة الأميركية منها، اختبار يُقدم ضمن اختبارات محللي البيانات قبيل اختيار أكفأهم: يعطى كل محلل مجموعة من الكلمات المتناثرة، أو معلومات مختلفة تبدو عشوائية بلا أي رابط، ثم يطلب من المحللين المرشحين استنباط أكبر قدر ممكن من العلاقات الصحيحة بين هذه المعلومات. يأتي معيار الاختيار الأول هنا تبعًا لقدرة المحلل على الربط بين المعلومات، يحتاج الأمر لسعة إطلاع هائلة بالطبع، بالإضافة إلى عقل يعمل بشكل مختلف، لكن المعيار الأهم والأكثر حسمًا هو القدرة على استنباط رابط واحد فقط هو الأكثر أهمية وإفادة من الناحية الاستخباراتية.

الزمان.. هو العام 2016، والمكان.. هو نصف العالم تقريبًا، والمعطيات كالتالي: صنعاء، تعز، أستراليا، بغداد، أفغانستان، طالبان، أبوظبي، محمد بن زايد، الولايات المتحدة، منظمة العفو الدولية، جرائم حرب، والقوات الجوية الخاصة "ساس" (SAS). لا يحتاج الأمر لساحر لربط الأمور، يمكن لـ "ابن زايد" ولي عهد الإمارات، وحاكمها الفعلي، وربما "المتحكم الحقيقي" في الجيش الإماراتي ربط تلك المعطيات، بمساعدة اسم واحد بجواره: جنرال الظل، أو المعروف في عالم القوات الخاصة العالمي باسم "مايك هندمارش".

"مقاتلو طالبان شرسون ومرنون بالفعل، إلا أنهم حفنة من الأوغاد القذرين، ورجالنا سعداء بما حققوه حتى الآن"

(مايك هندمارش، جنرال القوات المسلحة الأسترالية المتقاعد، وقائد قوات الحرس الرئاسي الإماراتي)

الجنرال مايك هندمارش (موقع كلية الدفاع الوطني)

الجنرال مايك هندمارش (موقع كلية الدفاع الوطني)

يعرف جنود العمليات الخاصة أو ما يطلق عليهم "التحالف الدولي"، الذي تقوده الولايات المتحدة منذ بداية العقد الألفيني الأول في أفغانستان، صعوبة "أروزغان"، أو "روزغان" كما ينطقها الأفغان بالـ "باشتو"، لغتهم المحلية الثانية بعد "الدرية". محافظة واسعة النطاق، معظمها جبال أو تلال متوسطة الارتفاع، وبقيتها أراضٍ شبه مسطحة، أي أنها تمثل البيئة الطبيعية الأكثر بؤسًا لأي قوات عسكرية نظامية، حيث لا يمكن لأي مقاتلين أن يأمنوا على أنفسهم هناك، كونها إحدى أفضل البيئات للقنص والتفجيرات الناسفة وحروب العصابات.

في وسط كل ذلك، وتحديدًا في 19 (سبتمبر/أيلول) للعام 2007، أجرى أحد أهم جنرالات الظل في التحالف الدولي، "مايك هندمارش"، قائد القيادة المشتركة للعمليات الخاصة في الشرق الأوسط "سوك" (SOC)، والمتضمنة لكل عمليات أفرع القوات الخاصة الأسترالية، وبالأخص منها قوات "ساس" ذائعة الصيت العالمي، مقابلة نادرة مع صحيفة "الأسترالي"، فرع مجموعة "نيوز كورب" ويد إمبراطور الإعلام "روبرت مردوخ" في القارة الجنوبية، بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيس "ساس".

في المقابلة، التي أفردت لها مجموعة الاستخبارات الأميركية النافذة "ستراتفور" تقريرًا خاصًا**(1)** سُرب لـ "ويكيليكس" في عام 2012، قال الجنرال، غير المعروف إلا في الأوساط العسكرية حينها، أن معارك "ساس" في أروزغان "عنيفة ووحشية"، إلا أن قواته أثبتت كفاءتها المطلقة في تحجيم مقاتلي طالبان من بلوغ "قندهار"، عبر سلسلة من "العمليات السرية شديدة العنف" كما وصفتها "ستراتفور".

على الجانب الآخر، وبرغم قوة تسليح "ساس"، ومتانة ترتيبها العالمي بين فرق القوات الخاصة المختلفة، إلا أن ذلك لم يكن السبب الوحيد في قلة خسائرها نسبة إلى مهارة مقاتلي "طالبان"، وإنما شكلت قيادة "جنرال الظل" عاملًا مهمًا أيضًا، فالرجل، الذي يقودهم بشكل عام منذ عام 2004 في العراق، ثم في أفغانستان لأكثر من عامين، أثبت نجاعة مطلقة، ولم يصب من جنوده إلا 14 جنديًا فقط من عام 2005 وحتى وقت المقابلة، وهو رقم مدهش في بيئة شديدة العدائية كتلك، ولذلك أكدت "ستراتفور" أن عدم وجود وفيات ليس بسبب "حظ ساس السعيد" على أدنى تقدير.

لم يكن الأمر دعاية أجنبية مضخمة كما هي العادة، فـ "ساس" تعمل في بيئة شديدة القسوة مناخًا وتضاريسًا، ويخرجون في دوريات تستمر لأسبوع على الأغلب، في درجات حرارة تصل إلى 50 درجة صيفًا وسالب 15 شتاءً. ويرسلهم الجنرال في عمق أراضي الطالبان. وقد كانت فلسفته واضحة تمامًا كما قالها في المقابلة، لا يؤمن بإجراءات الحماية القصوى، ولا يؤمن بالجلوس في القاعدة والتمتع بدرع عسكري سميك، وإنما تركز فلسفته على الخروج والذهاب لقلب مناطق "العدو" وقتاله بلا رحمة، وهو ما عضد فيما بعد الاتهامات التي وجهت له ولقواته بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في أفغانستان تحديدًا. فلسفة ستناسب فيما بعد، وبشدة، الطموحات المشروعة وغير المشروعة لأمير عربي صاعد، أمير يدعى "محمد بن زايد آل نهيان"، وستترك أيضًا أثرها مستقبلًا على أبوظبي، وعلى عاصمة عربية أخرى، عاصمة ستساهم عقيدة الجنرال العسكرية في تمزيقها تمامًا.

لم يعدم الرجل خوض الحروب بأي شكل، وساعده في ذلك كون الشرق الأوسط أكبر مسرح عمليات عسكرية في نصف القرن العشرين الثاني، فلم تكن بدايات "مايك" مع الغزو الأميركي للعراق، وإنما كانت بقيادته للقوات الأسترالية المسؤولة عن العملية "بولارد"**(2)**، وهي قوات حفظ السلام في الكويت بعد حرب الخليج الثانية، مهمة بسيطة أداها العسكري، صاحب خبرة العشرين عامًا وقتها، بنجاح من عام 1998 وحتى عام 2001 وقت انتهاء العملية.

بعد ذلك أتى الدور على محرقة أخرى، حيث انتقل "هندمارش" لمنصب القائد العام للقيادة المشتركة للعمليات الخاصة الأسترالية في الشرق الأوسط، في الفترة ما بين عامي 2004 و2008، كجزء من القوات المشاركة فيما عرف إعلاميًا بـ "التحالف الدولي"، وعرف فعليًا بغزوي العراق وأفغانستان، وضمن عمليتي الجيش الأسترالي المعروفتين باسم "باستيل" و"فالكونر" في العراق تحديدًا.

لا يمكننا بدقة تحديد الوقت الذي وضع فيه رجل الإمارات النافذ وولي العهد "محمد بن زايد" عينيه على الجنرال، إلا أنه من المؤكد كون العام 2008 محوريًا في علاقة الرجلين، وبتتبع نقلات ذلك العام المحورية، والعام التالي 2009 أيضًا، يمكننا أن نستنتج بشكل يقترب من الجزم أن الأمور لم تسر عبثًا في العلاقة المتصاعدة بين الرجلين.

اللواء الركن مارك هندمارش قائد حرس الرئاسة بعد محاضرة ألقاها في الكلية 11 نوفمبر 2014 (موقع كلية الدفاع الوطني الإماراتي)

اللواء الركن مارك هندمارش قائد حرس الرئاسة بعد محاضرة ألقاها في الكلية 11 نوفمبر 2014 (موقع كلية الدفاع الوطني الإماراتي)

يأتي اليوم الأول من شهر (مارس/آذار) لعام 2008 وقد تسلم الجنرال قيادة القوات الأسترالية كاملة في منطقة الشرق الأوسط، وهي القوات المعروفة بـ "قوات المهام المشتركة 633"**(3)، منصب رفيع يمكن لأي جنرال الاستمرار فيه لعامين على الأقل قبل التقاعد(4)**، وربما حينها لا يكون التقاعد هو الخيار الأول، وإنما الوصول إلى مناصب أكثر حساسية في الهيكل العسكري الأسترالي، إلا أن "مايك" كانت لديه خطة أخرى.

في عام 2009، وتحديدًا في 12 (يناير/كانون الثاني)، تولى الجنرال مسؤولية قيادة تدريبات الجيش الأسترالي، وهو المنصب الذي لم يكمل فيه شهورًا معدودة، قبل أن يجمع حقائبه في (يونيو/حزيران) التالي مغادرًا الجيش الأسترالي للمرة الأخيرة، ومعلنًا تقاعده المتفق عليه داخل الأروقة الأسترالية المسلحة منذ فترة، ومتخليًا عن راتب شهري قدره 19 ألف دولار، ربما لم يعد يرضي طموحاته على الأرجح.

لمدة ستة أشهر لم يفهم أحد تقريبًا، خارج أوساط عسكرية رفيعة المستوى بطبيعة الحال، قرار "مايك"، وهو واحد من ذوي البصمات الراسخة على مسرح الصراع الشرق أوسطي، إلا أن الأول من (ديسمبر/كانون الأول)، في نفس العام 2009، حمل الإجابة للجميع: لقد تلقى "مايك" عرضه الاحترافي الأول منذ فترة طويلة وقرر قبوله، وهو العرض الأول من نوعه لضابط أجنبي بهذا المستوى إقليميًا، حمله "محمد بن زايد" بشكل شخصي، في مفاوضات استمرت لثمانية عشر شهرًا كاملا أي عام ونصف، كما روى مصدر مطلع لصحيفة "هيرالد صن"(5) المحلية حينها.

لم يكن أي شيء واضحًا بأي شكل، مفاوضات طويلة لم يعرف بها إلا القلة، ولقاء سري بين الجنرال ومثيله "محمد بن زايد"، الجنرال الإماراتي أيضًا ونائب وزير الدفاع بجانب ولايته للعهد، ومنصب بمسمى فضفاض يحتمل ألف معنى كـ "مستشار ولي العهد لشؤون الأمن القومي"، إلا أن السنوات القادمة كعادتها ستحمل المزيد، وستجيب على علامات استفهام الصداقة الناشئة الجديدة والغريبة من نوعها.

"لا يتلقى مايك أوامره إلا من ولي العهد "محمد بن زايد"، ولا يرفع تقاريره إلا إليه"

(مصدر عسكري مطلع، في تصريح لشبكة أيه بي سي الأسترالية في تحقيقها حول الجنرال هندمارش)

undefined

من بعيد، تبدو الأمور يسيرة، أمير عربي بنموذج حكم خليجي مختلف، وطموحات أشد اختلافًا وتوسعًا لا حدود مادية -وربما قيمية- لها، يتعاقد مع عسكري سابق رفيع المستوى والخبرة، صارم حد الوحشية في قتال "الجماعات الجهادية" والمسلحة، خصوم "محمد بن زايد" اللدودين، لاستشارته في شؤون الأمن القومي لبلاده. وصف مثالي أكثر مما ينبغي، لأنه وكالعادة لهذه الأمور أوجه أخرى، خاصة وأن الجنرال لم يأت فعليًا ليلعب دور مستشار أمني فقط، وإنما ليصب خبرته في أحد أهم مشاريع كيانات "ابن زايد" طويلة الأمد، ما نعرفه اختصارًا بالـ "PGC"، أو "الحرس الرئاسي الإماراتي"(6).

ليس معلومًا على وجه الدقة متى بدأت قصة "الحرس الرئاسي" عمليًا، إلا أن المعروف ينحصر في تشكله رسميًا بين عامي 2010 و2011، لكن وعلى الأرجح شُكل الحرس الرئاسي، كمشروع كامل من قبل "محمد ابن زايد"، في أواخر عام 2007 وأوائل 2008، فترة شهدت أولى عقبات تشكيل الحرس، عبرتها أموال النفط الإماراتية بنجاح، وهي العقبة التي رجحت تشكل الحرس في تلك الفترة.

في هذا الوقت كان الجيش الإماراتي يستعمل طائرات "بوما" المروحية فرنسية الصنع، وهو طراز الطائرات المخصص للنقل السريع وعمليات الإنزال العاجلة، إلا أن "ابن زايد" كان له رأي آخر، وأراد الحصول على طُرز خاصة من الطائرات الأميركية الشهيرة "بلاك هوك"، المستعملة من قبل القوات الخاصة الإماراتية حينها، بمواصفات مختلفة عما يصدره مُصنّعها "سيكوريسكي" في نسخه التقليدية. مواصفات تصلح لـ"النقل والإنزال السريع ومطاردة سفن التهريب الإيرانية والقيام بدوريات حدودية بشكل عام"، وهو ما استدعى رفض متعاقد الدفاع "سيكوريسكي" حينها لظهور صلات الإمارات بمؤسس "بلاك ووتر" الشهير "إيريك برنس"، قبل أن يحل "ابن زايد" المشكلة بلقاء جمعه في أبوظبي مع قائد القيادة المشتركة للقوات الخاصة الأميركية الجنرال "براين براون"، ما عنى أن الطائرات ستذهب في طريقها للقوة المشكلة حديثًا، والحرس الرئاسي الجديد الذي تحوم حول إنشائه حينها الشائعات.

من بين الحرس الرئاسي ولدت وحدة أشد خصوصية تدعى "وحدة المهام الخاصة" أو "سوك" (SOC)، بشكل فعلي فإن الحرس الرئاسي يعمل فوق القانون، وخارج نطاق وزارة الدفاع الإماراتية، إلا أن "وحدة المهام الخاصة" تعمل بشكل تقريبي فوق الحرس الرئاسي نفسه، ويناط بها -رسميًا- مكافحة الإرهاب في الداخل والخارج، ويدخل في تكوين أغلبها جنود مرتزقة، ما يعنيه هذا من إمكانية إرسالها لأي مساحة صراع ممكنة بلا غطاء سياسي، وهو ما سيحدث بعدها ببضعة أعوام فقط!

undefined

أتى وقت إكمال القطع الناقصة في الأحجية: التدريب والقائد، وفي الأولى يشتري المال كل شيء تقريبًا، لذا تعاقد "محمد بن زايد" بعد مفاوضات مكثفة مع البنتاغون ليضع الأخير برنامجًا خاصًا لتدريب الحرس الرئاسي، وبالأخص قوة "سوك"، من قبل قوات المارينز، مع حصول القوة على دليل تدريب "المارينز" المقصور على الولايات المتحدة وبعض أقرب حلفائها، في عقد قدر من قبل بعض المصادر بـ150 مليون دولار، وأتى ثماره بإشراك الحرس الرئاسي في مهام على أراضي أفغانستان، بمشاركة القوات الأميركية هناك.

أما قطعة القائد فحان دور "مايك" فيها، فأتى "ابن زايد" بجنرال الظل، اللاعب الأساسي في نقل قيادة القوات الأسترالية الشرق أوسطية من العراق للإمارات، ممتلكًا شبكة علاقات واسعة أتاحت لـ "ابن زايد" تقاربًا عسكريًا على كل الأصعدة مع القارة الجنوبية، وأتاحت لـ"هندمارش" جلب عشرات من الضباط والمقاتلين السابقين الأستراليين لتدريب والإشراف على القوة المنشأة حديثًا، وهي المعلومة غير المخفاة بأي شكل، حيث يحتل عدد لا بأس به من الضباط الأستراليين مناصب رفيعة في الجيش الإماراتي وفي الحرس الرئاسي بالأخص.

على اليمين يبدو شعار "حرس الرئاسة" الإماراتي واضحًا**(7)**، وبأسفله لأقصى اليمين طائرة بلاك هوك مروحية، تأخذ حيزها من خلفية كاملة رابضة على رمال صحراء بعيدة عن أبوظبي بأكثر من ألف ونصف كم، وعلى اليسار ثلاث كلمات مكتوبة بشكل بارز: "مهمة رياح الخير"، مسمى عمليات قوات الحرس الرئاسي في أفغانستان.

بداخل الموقع، المقسم بتصميم أنيق وبسيط، يمكن الدخول إلى شريط "الحرس الرئاسي" لنجد أحد جنود الحرس، حاملًا بندقية "AP4 LR" الآلية، ومنحنيًا على طفل أفغاني مبتسمًا له ومقبلًا عليه بحلوى شهيرة. تبدو الصورة شديدة المثالية: اسم براق وخيِّر، ومهمة سلام شامل، وقوات عربية، إلا أن أطفال دولة أخرى لهم رأي آخر، رأي تؤيده أكبر منظمتي حقوق إنسان في العالم "العفو الدولية" و "هيومان رايتس ووتش".

 إريك برنس رئيس منظمة بلاك ووتر (رويترز)

إريك برنس رئيس منظمة بلاك ووتر (رويترز)

بدأت آثار الجنرال "هندمارش" وقوات حرسه، خاصة الكولومبيين منهم صنيعة "بلاك ووتر" و "إريك برنس" الخاصة، في الظهور باليمن الممزق منتصف عام 2015، وتحديدًا في الرابع من (مايو/أيار) من العام المذكور، بعد أسابيع قليلة من انطلاق عملية "عاصفة الحزم" الإقليمية بقيادة الرياض. تواردت الأخبار حينها وبعدها بأشهر قليلة موحية بالدور المحوري الذي لعبته قوات الحرس الرئاسي في استعادة ميناء عدن لصالح قوات الرئيس اليمني "هادي عبد ربه" المحلية، إلا أن ما حدث على الجهة الأخرى لم يكن رياح خير أبدًا.

تسببت العمليات الجوية والبرية في مقتل آلاف المدنيين وتشريد ملايين آخرين، ملايين قدرت نسبتهم بعض المنظمات الحقوقية بـ 80% من تعداد الشعب اليمني البالغ 24 مليون يمني تقريبًا، بعدها، وفي السابع من (أكتوبر/تشرين الأول)، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا**(8)** أكدت فيه على حدوث جرائم حرب باليمن، ودعت إلى فرض حظر تسليح على الدول المشاركة في العملية، مستخدمة لفظي "أدلة دامغة" لوصف أدلة جرائم الحرب المرتكبة هناك.

من الناحية التقنية لا يوجد**(9)** دليل دامغ على ارتكاب "الحرس الرئاسي الإماراتي"، كيان "محمد ابن زايد" المفضل، لجرائم حرب في اليمن، أما من الناحية الفعلية تبدو الأمور مختلفة بشدة، فلا يبدو منطقيًا تورط قوات خاصة مرتزقة في مستنقع كهذا، ومساهمتها في توسعه، بدون حدوث "تجاوزات إنسانية" على أخف الأوصاف، "جرائم حرب" على أكثرها واقعية، فضلًا عن امتناع الجنرال "مايك" نفسه عن الإجابة على أسئلة "أيه بي سي" الأسترالية في هذا الصدد**(10)**، مستترًا بسرية تفاصيل العمليات الإماراتية العسكرية، وعدم القدرة على تناول التفاصيل بشكل إعلامي.

لا يمكن تجاهل إشارات عديدة أيضًا: في عام 2011 تشكلت قوة كولومبية خاصة من المرتزقة، كشفها تحقيق شهير للنيويورك تايمز**(11)**، تدفع رواتبها من الإمارات، وتأخذ أوامرها من "محمد بن زايد" مباشرة، وهو الأمر المشترك مع جنرال الظل وقوات الحرس الرئاسي، العاملين فوق النظام الإماراتي كاملًا.

لا يمكن لمطلع فصل الحرس الرئاسي عن مشروع "ابن زايد" وطموحاته كاملة، فالقوة، المكونة من بضعة آلاف من المقاتلين المحنكين، مئات منهم مرتزقة، وعشرات منهم ضباط الجيش الأسترالي وقواته الخاصة السابقين المتمرسين، والتي يقودها جنرال الظل "هندمارش" بنفسه، بميزانية مفتوحة، فوق النظام الإماراتي بالكامل وحتى جيشه، هذه القوة لا يمكن فصلها عن أهداف "محمد بن زايد"، باعتبارها قوته الضاربة وذراعه الطولي في المنطقة.