“دولة العسكر الشمولية – سورية أنموذجًا 1963-2010” عدد مزدوج من مجلة قلمون (original) (raw)

صدرت “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية” في عدد مزدوج (الخامس والعشرين والسادس والعشرين)، ويعنى ملفها الرئيس بـ “دولة العسكر الشمولية – سورية أنموذجًا 1963-2010”. وقد عولج هذا الملف من خلال ثلاثة عشر بحثًا للإحاطة بالنموذج الشمولي الذي أدار من خلاله نظام البعث سورية في حوالى خمسين عامًا.

ويوضح يوسف سلامة رئيس التحرير الأسس التي انطلقت منها المجلة في هذا الملف بقوله: “وأما الرؤية المنهجية التي تم استخدامها في بناء هذا الملف، فتنطلق من مفهوم (العلوم الإدارية). إذ من شأن هذه العلوم أن تقدم لنا كل ما هو ضروري لفهم (بنية الدولة وحركيتها). ويمتاز (المنظور الإداري للدولة) بوفرة المداخل التي يقترحها، وبتعدد (الاستراتيجيات الإدارية)، مما يمكن من استكشاف (العلاقات الداخلية) و(العلاقات البينية) التي تربط بين المؤسسات وما تمثله من مراكز قوى، وتوضع هذه المراكز على البنية الهرمية للدولة. وهو ما يكشف لنا عن الاضمحلال التدريجي لسلطة المؤسسات كلما اقتربت من النقطة المركزية التي تتجمع فيها السلطات كلها، الأمر الذي يحيل الدولة إلى (دولة شمولية)”.

استهل الملف المفكر المغربي عبد المجيد السخيري في بحث بعنوان “الدولة السورية بين ثبات الهيكل الشمولي وتغيّر الأدوار واللاعبين”، وقد عني بمفهوم الشمولية، وصلاحية النموذج الشمولي في مقاربات تنظيم الدولة السورية ومؤسساتها، وما يمكن أن يُوفّره من أدوات ومعطيات لتحليل أسس الإمساك بالسلطة، وفهمها، وإدارة الصراع من داخلها وخارجها، ومن ثمّ محاولة فهم كيف أن دولة العسكر الشمولية عملت على التقويض السياسي للمجتمع على نحو أدى إلى تغييب الإنتاج الاجتماعي للسياسة، وطرديًا إلى تقويض قدرة القوى السياسية على أداء فاعلياتها الاجتماعية.

وقد بحث محمد بقاعي في “دور أولوية القبض على السلطة لدى نظام حافظ الأسد في تحديد التنظيم العام للدولة السورية”، وبحسب الباحث، فقد عمل نظام الأسد على بناء مؤسسات الدولة السورية وفق هيكل ومستويات سلطوية تتضمن سيطرة القطاع الأمني والعسكري على باقي مؤسسات الدولة، مع احتفاظ رئيس الجمهورية بقدرة تحكم كبيرة في القطاع الأمني والعسكري. وعلى الرغم من أن حافظ الأسد ومن بعده بشار لم يمتلكا استراتيجية سياسية واضحة لطريقة بناء الدولة، فإنهما اعتمدا تطبيق نموذج مستنسخ من النماذج الشرقية لبناء الهيكل الإداري للدولة، مع ضمان بقاء السيطرة على هذا الهيكل.

وناقش بشار نرش في دراسته أهم مرتكزات عمل الأجهزة الأمنية في إدارة الدولة والمجتمع في سورية التي مارستها السلطة الحاكمة بدءًا من آذار/ مارس 1963 حتى عام 2010. وبحث في مجموعة القواعد والمعايير التي قام عليها العمل الأمني، وكرّس من خلالها النظام الحاكم السلطة القمعية لتلك الأجهزة، وتغوّلها على المواطنين ومؤسسات الدولة أيضًا، بهدف ضبط حركة الدولة والمجتمع معًا، وتأمين استمرار النظام الحاكم لأطول مدة زمنية ممكنة.

أما بحث “نظام حافظ الأسد بين الطائفية والشمولية (1970-2000)” لطلال مصطفى، فقد حلل كيفية توظيف حافظ الأسد العناصر الطائفية والشمولية السياسية لصالح تعزيز سلطته الشخصية في الحقبة التاريخية (1970 -2000)، مع التركيز على العامل الطائفي بقصد توضيح دوره وحجمه في وصول حافظ الأسد إلى السلطة، والعوامل التي غذت استمراره في الحكم.

وعالج سمير التقي في بحثه “وظائف السياسة الخارجية السورية زمن حافظ الأسد” مسيرة السياسة الخارجية السورية زمن حافظ الأسد (تقريبًا بين 1970- 1991)، وتوقف مع بداية مفاوضات السلام، وخلص إلى أن الحالة السورية كانت حالة مدرسية نموذجية لحراك أزمة الشرعية وأزمة التنمية في الدولة العربية الناشئة، وقد أوضح كيفية استخدام حافظ الأسد السياسة الخارجية السورية بمعناها العريض، (أي بمعناها الذي يشمل عمل الأجهزة والوزارات والجيش) من أجل ضمان فاعلية الأعمدة الثلاثة للدولة الشمولية.

ودرس عارف الشعال سبل “التغوّل على السلطة القضائية في سورية بعد عام 1963″ من خلال التغييرات التي أحدثها حافظ الأسد في بنيتها، في حين بحث كل من روان خربوطلي وعمرو النجار في “تحولات الدولة الريعية في سورية خلال أربعين عامًا 1970-2010″، منذ بدايات النظام الاقتصادي الريعي في سورية، والتحولات التي مر بها حتى اندلاع الثورة السورية سنة 2011. وعن ذلك يقولان: “إذا ألقينا نظرة معمقة في هذا الدور الإقليمي الذي كان يلعبه النظام، فسنرى أن له على الأغلب هدفًا غير معلن، وهو ضمان تدفق المساعدات الخارجية التي شكلت مصدر (ريع) رئيس له، ودعامة أساسًا في بقائه، واستمراره، واحتكاره الثروة والسلطة عقودًا طويلة، حتى إن بعض الباحثين ذهب إلى أن الريعية هي الحقيقة المركزية للحياة في سورية في ظل نظام الأسد، وكان لها الأثر الحاسم في الأسلوب الذي حكم العلاقة بين النظام ومواطني الدولة”.

ودرس حمود حمود في بحثه “ترسنا هو القرآن: تسلط الأسد بين المأسسة وإعادة الأسلمة” السياسات الإسلامية للنظام السوري قبل 2011، لرصد التحولات الكبرى في مسار هذه السياسات بعد ذلك، ثم رصد بعض النقاط الجوهرية العامة للقانون 31 سنة 2018، في ما وصفه الباحث بـ “ذروة عمليات المأسسة وإعادة الأسلمة ضمن إطار ما يسميه بشار الأسد (الإسلام الصحيح)”.

ويبين عبد الناصر الجاسم في بحثه “الإصلاح الإداري وغياب الإرادة السياسية في سورية 2000 – 2010″ أثر غياب الإرادة السياسية في عمليات الإصلاح الإداري، محددًا المعوقات والتحديات التي تواجه عمليات الإصلاح الإداري، وموضحًا دور غياب الإرادة السياسية في إعاقة تطوير عمل الأجهزة الإدارية من خلال تنفيذ الإصلاح الإداري.

وقد ناقش علي سفر في بحثه “ مؤسسة الرقابة في الدولة البعثية بين اللامعيارية وآليات السيطرة على المجتمع” آليات عمل الرقابة، وربطها بإطار سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي، والمنظمات (الشعبية) المنبثقة عنه، وبين أن “تَتَبعُ مسارات السيطرة وآليات عملها، في الحالة السورية، لا يفضي دائمًا إلى قوانين ومراسيم يخضع لها الأفراد والمؤسسات بل إنه يقود إلى وجود قوة ما، تتحكم بالجميع… وهذه القوة هي الرقابة التي تطورت في الحالة البعثية من مجرد آلية للتحكم بقطاعات يفرض عملها أن تخضع للتدقيق، إلى مؤسسة عملاقة تستولي على الحراك المجتمعي، فتصبح القوانين والأنظمة بدلًا من تنظيمها فعاليات المجتمع محضَ أدوات بيد النظام يفرض من خلالها سيطرته”.

أما راتب شعبو في بحثه “النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه”، فقد تطرق بعد التمييز بين النظام الشمولي ذي البعد العالمي (الشيوعي أو النازي مع حفظ الفروق)، والنظام التسلطي إلى منابع تسلطية نظام الأسد، ومصادر قوته الكامنة في طبيعته الهجينة اقتصاديًا، وجمعه بين الحزم الأمني الشديد والمرونة الاقتصادية والسياسية، واقترح أن الخروج من أسر هذا النوع الهجين من الأنظمة يكون بتقوية المجتمع في وجه السلطة، وبالمواظبة على تحرير المجتمع، وتقييد السلطة، أو الجمع بين النضال السياسي والنضال المدني المجتمعي.

وقد قيّم فراس شعبو في بحثه “دور السياسة النقدية في تدهور قوة الليرة السورية الشرائية بعد عام 2011” السياسات النقدية المستخدمة من مصرف سورية المركزي للحد من التضخم الذي يعيشه الاقتصاد السوري بعد عام 2011، من خلال تحليل البيانات الصادرة من مصرف سورية المركزي، وخلص إلى أن “الجذور البنيوية لتدهور قيمة الليرة بعد عام 2011 تعود إلى أسباب عميقة تتعلق بهيكلية في الاقتصاد، ووضع سياسات اقتصادية متوافقة مع تحالف رجال المال والسلطة أكثر من الأوضاع الحالية، واتضح إخفاق السياسات جميعها التي اتبعها مصرف سورية المركزي للحد من تراجع قيمة الليرة بعد عام 2011، ما أدى إلى عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد، وسبب تدهورًا كبيرًا في مستوى المعيشة بصورة خاصة”.

اختتم الملف بشهادة لسمير سعيفان في “الإصلاح الاقتصادي في سورية خلال العقد الأول من حكم بشار الأسد”، تحدث فيها عن تجربته في لجان الإصلاح الاقتصادي، ونهج نظام الأسد في ذلك، وصولًا إلى صورة الإصلاح على أرض الواقع، وآثاره، وبين أن “فشل ذاك النمط من الإصلاح الاقتصادي في تنمية القدرة الإنتاجية للاقتصاد السوري، وفي خلق مزيد من فرص العمل، وفي تحقيق زيادات حقيقية في الدخول، مع ما رافق ذلك الفشل وتبعه من آثار اجتماعية سلبية للإصلاح الاقتصادي الموجّه لصالح مجموعات الأعمال الريعية للنخبة الحاكمة في مستويات معيشة الجزء الأكبر من السوريين، كان من أهمّ العوامل التي أسهمت في تراكم غضب الشارع السوري، وفي دفع السوريين للخروج إلى الشارع مطالبين بالتغيير”.

ويضاف إلى بحوث هذا العدد المزدوج من مجلة قلمون، دراسات أخرى في الأبواب الثابتة فيها، ولا سيما دراسة في المنجز الأكاديمي والسياسي لبسمة قضماني في باب ظواهر وشخصيات، أعدها عمر كوش، ودراستان نقديتان لكل من سوسن إسماعيل وعبد النبي اصطيف، ومراجعة لكتاب جمال باروت “العلاقات العربية – التركية (1918 – 1923): السيرورة والتاريخ والمصائر” أعدها رشيد الحاج صالح، وعرض لأطروحة ماجستير لإياد السمان بعنوان “سوسيولوجيا الحراك الثوري السوري والنخب 2000- 2010” من جامعة تولوز الفرنسية.

يذكر أن “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية” فصلية محكمة، يصدرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة منذ عام 2017، وما زالت تستقبل البحوث في ملف عددها القادم “الآثار السورية: السياسات والدور، الواقع والآفاق 1970-2023″، إضافة إلى الدراسات في أبواب المجلة الأخرى.

يمكن الاطلاع على الورقة الخلفية للعدد القادم من الرابط:
https://www.harmoon.org/?p=35882

ويمكن مراجعة سياسة النشر في المجلة من الرابط أدناه:
https://tinyurl.com/my5nupk

تصفح الموضوع تحميل الموضوع